إنّ مسئوليّة تربية جيل جديد تقع على عاتق الوالدين بشكل أساسيّ.. ولذلك يجب الإنتباه إلى الأخطاء التربويّة التي نراها حولنا وفي مجتمعنا، ونحاول تصحيحها وعدم الوقوع فيها.. فهؤلاء فلذات أكبادنا هم مستقبلنا.. فأمّا أن يكون مستقبلاً مشرقاً ومزدهراً ومعطاء وأمّا أن يكون راكداً لا قيمة له..
وقد يقع البعض في تربيته لأبنائه بأخطاء كثيرة تنعكس على أبنائه وعلى بناء شخصيّاتهم..
وسنتحدّث هنا في حوارنا مع الأستاذة ألماس محمد إبراهيم الهجن المشرفة التربويّة والمدرّبة المعتمدة في مركز التدريب التربويّ التابع لإدارة التربية والتعليم بجدّة ورئيسة الهيئة الإستشاريّة بجمعيّة الشقائق عن أكثر الأساليب التربويّة الخاطئة شيوعاً في مجتمعاتنا وأثرها السلبيّ على الأبناء..
= س: في البداية... هل لك أن تستعرضي بعض الأساليب التربويّة الخاطئة الشائعة التي ينتهجها الآباء والمربّون مع أبنائهم؟
ج: سأذكر أبرز الأساليب الخاطئة التي يقع فيها الآباء دون الإنتباه لها ومن أبرزها:
•= إهمال مشاعر الأبناء وإحتياجاتهم العاطفيّة تجاه آبائهم، وعدم تقديرها، وعدم إتاحة الفرصة للتعبير عن أنفسهم، وعدم السؤال عن أحوالهم والإهتمام بهم.
•= عدم تبادل كلمات الحبّ والثناء والإعجاب من الآباء تجاه أبنائهم بغضّ النظر عن مستوى الأداء السلوكيّ لأبنائهم.
•= استخدام أسلوب الأمر والنهي بكثرة، وحدوث نوع من الجفاء بسبب الروتين اليوميّ.
•= التسرّع في الحكم على التصرّفات الخاطئة، وعدم سؤال الأبناء: لماذا فعلت ذلك؟ قبل إيقاع العقاب، بمعنى عدم البحث عن الدوافع التي جعلته يتصرّف بهذه الطريقة.
•= المقارنة السلبيّة بين الأبناء في الشكل والسلوك والقدرات.
•= عدم مراعاة الفروق الفرديّة وإختلاف الأمزجة والشخصيّات بين الأخوة.
•= تصيّد الأخطاء، وعدم تعزيز السلوك الإيجابيّ بالمكافأة الماديّة والمعنويّة.
•= عدم الثبات في حضر الممنوعات والتردّد والضعف بعد إصدار القرارات.
= س: ما هي الإنعكاسات السلبيّة الناتجة عن هذه الأخطاء والتي تؤثّر في شخصيّات الأبناء؟
ج: من أهمّ الإنعكاسات السلبيّة التي تؤثّر في شخصيّة الأبناء نتيجة هذه الأخطاء التربويّة أنّها تؤدّي إلى ضعف في الشخصيّة، كالتردّد، والخوف، والشعور بالإنهزاميّة.
وقد تؤدّي إلى السلبيّة أو التمرّد والعنف، كما قد تؤدّي إلى الشعور بالأنانيّة والنرجسيّة، ومن تأثير الأخطاء التربويّة أنّها تؤدّي إلى اللامبالاة، فلا يهتمّ الفرد بالأوامر والنواهي، كما أنّه قد يكون سهل الإنقياد من قبل رفقاء السوء.
وأحياناً تؤدّي الأخطاء التربويّة إلى ظهور بعض الأعراض النفسيّة، كقضم الأظافر، والتبوّل اللاإرادي، وغيرها.
= س: ما هي العوامل التي أدّت إلى جعلنا نمارس هذه الأخطاء، وهل عادتنا وطرقنا التقليديّة وموروثنا عن التربية توقعنا في هذه الأخطاء؟
ج: أرى أنّ العوامل تنقسم إلى عدّة عوامل ومنها:
¤ عوامل نفسيّة وشخصيّة:
وهي ترجع لطبيعة الآباء وأمزجتهم التي ولدوا بها، فهناك الشخص العصبيّ، وهناك الهادئ والمتأمّل، بالإضافة إلى مستوى الذكاء والقدرات وخلوّهم من العقد النفسيّة وتمتّعهم إلى حدّ كبير بالصحّة النفسيّة.
¤ عوامل إجتماعيّة:
كمستوى الأسرة الإجتماعيّ وأسلوب التعامل بين أفراد الأسرة -الألفاظ، وطريقة الأكل، والتعامل، وتقاليد المنطقة والعرف السائد.
¤ عوامل ثقافيّة:
كمستوى تعليم الآباء، وعدم الإحساس بالمسئوليّة التربويّة، والاقتصار على توفير الماديّات دون المتابعة والمصادقة والمصاحبة.
¤ عوامل إقتصاديّة:
فالضعف الماديّ الشديد قد يؤثّر بلا شكّ في تربية الأبناء وشعورهم بالنقص عن الغير، وإحتياجهم الدائم للمساعدة، أو على العكس عندما يكون الإسراف في كلّ شيء وتوفّر جميع ما يطلبه الابن ممّا يشعره بالملل وعدم الإحساس بقيمة الشيء.
¤ عوامل خلقيّة ودينيّة:
وهي الضابط لجميع العوامل السابقة، فإذا كان الوازع الدينيّ قويّاً فإنّه يسيطر على كلّ شيء، فيستطيع المربي أن يكيّف نفسه وأن يحسن سلوكه اقتداء بسنّة نبيّنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الذي أمرنا بالرفق في جميع أمورنا «ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه»، «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
فعندما يتّسم سلوك الإنسان بالأخلاق الحسنة فيستطيع من خلالها أن يضبط نفسه وأن يربي أبناءه التربية الحسنة القائمة على الحبّ والأمان.
= س: الطفل الأوّل.. غالباً ما يكون حقل تجارب الأبوين في التربية.. ماهي نصيحتك للأمّهات التي تحت التدريب، أو كما يقال في سنة أولى أمومة؟
ج: يجب على الأمّ من فترة الحمل أن تطّلع على كثير من الكتب النفسيّة والصحيّة التي تساعدها في تثقيف نفسها في مجال التربية وأهميّة الرضاعة الطبيعيّة وضرورة الإعتماد عليها لما لها من آثار إيجابيّة على صحّة الطفل ونفسيّته.
وأن توعّي نفسها بحضور الدورات التي تتحدّث عن الطرق الصحيحة في التربية.
وقد قامت جمعيّة الشقائق بعمل دورة للأمّهات في سنة أولى أمومة بعنوان: طفلي الأوّل، وتقوم بتوعية الأمّهات بإحتياجات الطفل النفسيّة والصحيّة وأهميّة إعطاء الطفل وقتا طويلا من الرعاية والإهتمام، وإشباع حاجاته النفسيّة والعامة، ومن المهمّ أن تعلم الأمّ أنّ أهمّ سنوات الإنسان تكمن في الثلاث سنوات الأولى من عمره، وكلّما زاد التصاق الطفل بأمّه كلّما كان أكثر استقلاليّة في المستقبل.
= س: ظهرت الكتب التي تعنى بتربية أبنائنا في المكتبات، وأفرد لها أقسام خاصّة..وكثرت البرامج التلفازيّة التي تتحدّث عن الطرق الأفضل في التربية..هل لذلك دور في توعية مجتمعاتنا بأخطائهم التربويّة وكيفيّة تفاديها؟
ج: الإعلام له دور خطير جداً في توجيه الفكرة وتوعية المجتمع، وذلك عندما يكون جاذباً للمشاهد، ويكون هناك أسلوب في طريقة العرض ومشوّقاً غير ممل، وأتمنى أن يكون هناك قنوات متخصّصة في التربية تعلّم الأمهات والآباء الطرق الأنسب في تربية الأبناء ومحاولة تفادي الأخطاء التربويّة.
كلّما كان هناك تقنين للبرامج وإعدادها بطريقة جيّدة كلّما زاد المجتمع ثقافة وتوعية.
= س: أحيانا تكون إقامة الطفل وسط عائلة كبيرة.. مع والديه وأجداده وأعمامه..فيكون التحكّم بتربية الطفل صعباً نوعا ما..فالجدّة تدلّل، والعم يزجر لأتفه الأسباب، والآخر يهدّد!! فتتشتّت هنا التربية ولا تستطيع الأمّ أن تربي طفلها كيفما أرادت، فالجميع يشتركون في بناء شخصيّة الطفل..ماذا يفعل الوالدان برأيك في مثل هذه الحالات؟
ج: برأيي أنّ اجتماع الأسرة في بيت واحد ومشاركتهم في التربية لها إيجابيّات كثيرة إلا في العائلات غير المنضبطة أخلاقيّاً، أو ليس لديها قيم دينيّة، فمن الجميل أن يجتمع الأهل ويشتركون في تربية ابنهم، ويساعدون الوالدين في هذه المهمّة العظيمة، وعلى الأمّ أن تحترم تقاليد العائلة وأن تضع في نفس الوقت ضوابط لأبنائها، وأن تثبت عليها لكي تجمع بين إرضاء احتياجات العائلة الكبيرة وعدم حدوث مشاكل، وأن يكون هناك حدود وضوابط للأبناء.
= س: الضرب أسهل وسيلة لإطفاء الغضب..لكنّه لا يؤدّي دوراً فاعلاً في عمليّة التربية.. متى يكون الضرب وسيلة لتأديب الأبناء أم أنّه دائماً لا يأتي بنتيجة إيجابيّة؟
ج: هناك مثل قائل: آخر العلاج الكيّ.. فالضرب يجب أن يكون أخر الحلول التربويّة، وأن يكون وفق الضوابط التي أمرنا بها سيّد المرسلين بأن يكون العصا بحجم السواك، وألا يكون الضرب لأتفه الأسباب، وإنّما يكون مجرد لفته للطفل بأنّه أخطأ وتمادى بالخطأ.. وأن يكون الضرب خفيفاً جدّاً.. وأن يكون هناك حوار ومناقشة مع الطفل قبل اللجوء إلى الضرب.
وينبغي على الآباء عدم ربط الضرب بالسلوكيّات العامّة حتى لا يكره الشيء الذي ضرب من أجله.
= س: مستوى تعليم الأبوين.. ما دوره في قلّة الأخطاء التربويّة وكثرتها؟
ج: لا علاقة للمستوى التعليميّ بقلّة الأخطاء أو كثرتها..فنجد هناك الأميّين الذين لا يجيدون القراءة والكتابة قد أحسنوا في تربية أبنائهم أكثر من الذين حصلوا على شهادات عالية.. فلا أرى أنّ لذلك علاقة إلا إذا إرتبط الدين بالخلق فنصل بذلك إلى تربية فاضلة.
= س: عندما يستدرك المربّون على أنفسهم خطأ تربويّاً..كيف يمكنهم تفاديه ومعالجة سلوك ابنهم وتعديله؟
ج: هذا السؤال يتطرّق إلى موضوع كبير جداً.. ولكن ما أستطيع قوله هو أنّ الإعتراف بالخطأ فضيلة..فلابدّ أن يعترف المربّي لإبنه بخطئه في التربية إذا كان الابن واعياً في مرحلة يمكن له أن يدرك خطأ أبويه في تربيته.. فينبغي على الوالدين الإعتراف بالخطأ أمام ابنهم والإتفاق مع الابن على وضع خطّة مستقبليّة لمعالجة سلوكهم، وأن يحاول المربّي الإلتزام بالخطّة وعدم تكرار الخطأ..
وإن كان الابن صغيراً لا يدرك الخطأ الذي إتهجه أبواه في تربيته فمن الممكن أن يحاول الأبوان تعديل سلوكهما وإنتهاج أسلوب أفضل بالتربية.
حوار: سمية السحيباني.
المصدر: موقع رسالة المرأة.